كتب/ أيمن بحر
اللواء رضا يعقوب خلال بحثه عن أفكار الفلاسفه وأهل الفكر لرد الفعل الفلسطينى على جرائم الكيان الغاصب الصهيونى العبرى اليهودى رصد:
آراء أربعة فلاسفة معاصرين بشأن الحرب فى غزة، الفيلسوفة لعقود من الزمن"
منذ بدء هجوم طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضى، أدلى العديد من الفلاسفة بآرائهم حول هذا الأمر، ثم حول الحرب فى غزة.
نلقي الضوء هنا على آراء أربعة فلاسفة معاصرين، هم الفيلسوفة الأمريكية جوديث بتلر، والفيلسوف السلوفينىى سلافوي جيجك، والفيلسوف الإيطالى جورجيو أغامبين، والجنوب أفريقى ديفيد بيناتار.
قالت الفيلسوفة الأمريكية جوديث بتلر إنه يجب أن نأخذ تعبير إبادة جماعية على محمل الجد لأنه يصف ما يحدث بالفعل، فالهجمات لا تستهدف المقاتلين فقط، وإنما تستهدف أيضاً السكّان والمدنيين فى غزة، وهم يتعرضون للقصف والتهجير.
وتُعدّ بتلر واحدة من عشرات الكتاب والفنانين اليهود الأمريكيين الذين وقّعوا رسالة مفتوحة الى الرئيس الأمريكى جو بايدن يدعون فيها الى وقف فورى لإطلاق النار فى غزة، وهى أيضاً عضوة فى المجلس الإستشارى لمنظمة الصوت اليهودى من أجل السلام، وأشارت بتلر فى مقابلةٍ أجرتها قبل أيام مع منصة ديموكراسى ناو"، الى وجود خطط توضع من أجل نقلهم (سكّان غزة) من منازلهم ومسح غزة بأكملها
وأوضحت أن "هناك جماعات قانونية مثل مركز الحقوق الدستورية الذى نشر دراسة من 40 صفحة يشير فيها الى الأسباب التى تؤكد صحّة وصف ما يحدث للفلسطينيين الآن بالإبادة الجماعية" وأضافت أن "مراكز أخرى تدرس القانون تُظهر أن الإبادة الجماعية لا تبدو دائماً مثل تلك التى قام بها النظام النازى، بل يمكنها أن تكون أيضاً تهديداً منهجياً للحياة والصحة والقدرة على الإستمرار"
وكانت بتلر نشرت مقالاً فى 13 أكتوبر/ تشرين الأول فى "لوس أنجلس ريفيو بوكس"، تحدثت فيه عن أهمية وضع سياق تاريخى للأحداث الأخيرة، قاصدةً بذلك هجمات حماس فى السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وقالت مؤلفة كتاب "قوة اللآعنف" إنه "لفهم كيفية وقوع حدث ما، أو ما هو معناه، يتعين علينا أن نتعلم من التاريخ، هذا يعنى أنه يتعيّن علينا توسيع رؤيتنا الى ما وراء اللحظة الحالية المروعة، من دون إنكار رعبها، فى نفس الوقت الذى نرفض فيه السماح لهذا الرعب أن يختزل كل الرعب الموجود" وأضافت بتلر أن "وسائل الإعلام المعاصرة، فى معظمها، لا تفصّل الفظائع التى عاشها الشعب الفلسطينى لعقود من الزمن فى شكل تفجيرات وهجمات تعسفية وإعتقالات وقتل" وإعتبرت أنه "إذا كانت أهوال الأيام الأخيرة تكتسب أهمية أخلاقية أكبر لوسائل الإعلام من أهوال السنوات السبعين الماضية، فإن الرد الأخلاقى فى الوقت الحالى يهدد بحجب فهم الظلم الجذرى الذى تحملته فلسطين المحتلة والفلسطينيون المهجّرون قسراً - فضلاً عن الكارثة الإنسانية والخسائر فى الأرواح التى تحدث فى هذه اللحظة فى غزة"بحسب تعبيرها.
وأشارت فى هذا السياق الى تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وقوله إن إسرائيل تقاتل "حيوانات بشرية"، قائلةً "إذا كان الفلسطينيون حيوانات، كما يصر وزير الدفاع الصهيونى، وإذا كان الصهيونيون يمثلون الآن الشعب اليهودى كما يصرّ بايدن (إختزال الشتات اليهودى فى الأرض المحتلة، كما يطالب الرجعيون)، فإن الأشخاص الوحيدين الذين يظلمون في المشهد، والأشخاص الوحيدين الذين يقدمون على أنهم مستحقون للحزن، هم الصهيونيون، لأن مشهد الحرب يتم إظهاره الآن كأنه بين الشعب اليهودى وبين الحيوانات التى تسعى الى قتلهم" وقالت إن "هذه بالتأكيد ليست المرة الأولى التى يتم فيها تصوير مجموعة من الأشخاص الذين يسعون للتحرر من الأغلال الاستعمارية كحيوانات من قبل المستعمر"
وتساءلت: "هل الصهيونيون حيوانات عندما يقتلون؟" قائلةً "هذا التأطير العنصرى للعنف المعاصر يلخّص التعارض الإستعمارى بكونه بين المتحضرين والحيوانات التى يجب هزيمتها أو تدميرها للحفاظ على الحضارة" وقالت: "إذا اعتمدنا هذا الإطار فى سياق إعلان معارضتنا الأخلاقية، نجد أنفسنا متورطين فى شكل من أشكال العنصرية الذى يمتد الى ما هو أبعد من الكلام الى بنية الحياة اليومية فى فلسطين" وتُعدّ بتلر واحدة من أهم الفلاسفة المعاصرين المنخرطين فى القضايا العالمية الراهنة، خصوصاً لدورها التأسيسى فى دراسات الفكر النسوى وإسهاماتها فى الفلسفة الأخلاقية وفلسفة ما بعد البنيوية عموماً.
فى 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضى، تحدث الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك فى حفل إفتتاح الدورة الخامسة والسبعين من معرض فرانكفورت الدولى للكتاب، وإستغرب جيجك فى كلمته، التى شهدت مضايقات فى بعض الأحيان من الحضور، أنه "فى اللحظة التى يذكر فيها المرء الحاجة الى تحليل الخلفية المعقدة للوضع، فإنه يُتهم، كقاعدة عامة، بدعم أو تبرير إرهاب حماس" ومنذ بدء هجوم "طوفان الأقصى"، شبه الفيلسوف السلوفينى، المعروف كواحد من أشهر المفكّرين المعاصرين الأحياء وأكثرهم تأثيراً، حركة حماس باليمين الصهيونى الحاكم فى الوقت الراهن، وخلال الخطاب فى فرانكفورت، أدان جيجك التصريح الذى أدلى به رئيس حركة حماس إسماعيل هنية بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والذى ترجمه على النحو التالى: "لدينا شئ واحد فقط نقوله لكم: إخرجوا من أرضنا. إبتعدوا عن أنظارنا، هذه الأرض لنا، القدس لنا، كل شئ هنا لنا، لا يوجد مكان أو أمان لكم"
وقارن جيجك هذا الإقتباس بما وصفه بأنه "أول المبادئ الرسمية للحكومة الصهيونية الحالية"، برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والذى يقول: "للشعب اليهودى حق حصرى وغير قابل للتصرف فى جميع أجزاء الأرض المحتلة، ستعمل الحكومة على تعزيز وتطوير الإستيطان فى جميع أجزاء الأرض المحتلة: فى الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة (الضفة الغربية)" وقال إن مثل هذا التغافل يقلل من الفرق بين التهديدات التى أطلقتها حماس، والأجندة الواسعة للحكومة الإئتلافية، والتى وصفها جيجك بأنها "متشابهة ولكن [معلنة] بطريقة أكثر تحضراً"
وأثارت المقارنة التي أجراها جيجك بين حماس والحكومة الصهيونية مضايقات متكررة من الحاضرين فى الحفل، وإختتم خطابه بمخاطبة أحد المعترضين مباشرة، قائلاً: "أنت تقول إننى أقارن ما لا يمكن مقارنته، لا، أعتقد أننا يجب أن نقارن بينهما" ثم غادر المنصة وسط صيحات الإستهجان المسموعة من الجمهور.
قبل هذه الكلمة، نشر جيجك، الذى عُرف بإهتمامه بموضوعات عدة مثل الأيديولوجيا وتجلياتها فى الحياة العامة والثقافة الجماهيرية، مقالاً يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول بعنوان "الخط الفاصل الحقيقى بين الصهيونية وفلسطين" وقال فيه إنه "بينما ينبغى إدانة أعمال حماس الإرهابية الشائنة من دون قيد أو شرط، يجب على المرء الا يخلط بين ما هو موضع المشكلة الحقيقية فى الأرض المقدسة" وإعتبر أن "الخيار ليس فصيلاً متشدداً أو آخر؛ بل هو بين الأصوليين من كلا الجانبين وجميع أولئك الذين ما زالوا يؤمنون بإمكانية التعايش السلمي"
وأضاف أنه "مع ذلك، فإن الوضع يتطلب سياقاً تاريخياً - ليس كأى نوع من التبرير، ولكن من أجل الوضوح بشأن الطريق الى الأمام"
وفى هذا الإطار، إعتبر جيجك أن الصهيونية "تتحول فى ظل حكومة نتنياهو الحالية الى دولة ثيوقراطية، بعد فترة طويلة من التباهى بمكانتها بإعتبارها الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط".
وأشار إلى أن قائمة "المبادئ الأساسية" للحكومة الحالية تنص على أن: "للشعب اليهودى حق حصرى وغير قابل للتصرف فى جميع أجزاء الأرض المحتلة،. ستعمل الحكومة على تعزيز وتطوير الإستيطان فى جميع أجزاء الأرض المحتلة الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة" وإعتبر أنه "من السخف لوم الفلسطينيين لرفضهم التفاوض مع الصهاينة، فى مواجهة هذه الالتزامات" وقال إن البرنامج الرسمى للحكومة الصهيونية الحالية يزيل المفاوضات من على الطاولة، وأضاف أنه "ليس من الصعب أن نرى أن كلاً من الجانبين، حماس والحكومة القومية المتطرفة فى الأرض المحتلة، يعارضان أى خيار للسلام" وقال: "حماس والمتشددون الصهيونيون وجهان لعملة واحدة"
وإختتم حديثه قائلاً "ينبغى لنا، أن ندعم من دون قيد أو شرط حق العبرية فى الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الإرهابية، لكن يجب علينا أيضاً أن نتعاطف من دون قيد أو شرط مع الظروف البائسة حقاً التى يواجهها الفلسطينيون فى غزة والأراضى المحتلة، أولئك الذين يعتقدون أن هناك تناقضاً فى هذا الموقف هم الذين يعرقلون الحل بشكل فعال"
من جهته، إنتقد الفيلسوف الجنوب أفريقى ديفيد بيناتار ما سمّاه بـ"لوم الضحية" أى "تحميل الصهيونية مسئولية هجمات حماس فى السابع من أكتوبر/تشرين الأول، من قبل من يريدون وضع هذه الأحداث فى سياقها التاريخى"
وفى مقال له فى 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضى بعنوان "إنه ليس الإحتلال"، رفض الفيلسوف الذى إشتهر بتنظيره لمبدأ "اللآ إنجابية" الإشكالى والذى يعتبر أن التكاثر هو فعل غير أخلاقى فى جوهره، عزو هجوم حماس الى "الإحتلال" وليس الى "عقائد المشاركين فيه" وقال إنه كان يجب "التفكير فى العواقب المحتملة لعدم قيام ا بضرب الصهيونية حماس (أو ضربها بشكل غير كاف) رداً على المجزرة" ورأى مؤلف كتاب "الأفضل ألا نوجد إطلاقاً، الضَّرر الكامن فى المجئ الى الوجود"، أن "الصهيونية ليست مستعمرة لأى بلد ولم يتم إنشاؤها على هذا الأساس"، مضيفاً أن الصهيونيين "لديهم روابط الأجداد مع هذه الأرض"
على موقعه الإلكتروني، دوّن الفيلسوف الإيطالى جورجيو أغامبين نصّاً مقتضباً بعنوان "صمت غزة" وكتب أغامبين، الذى عُرف بإهتمامه بموضوعات متنوعة تراوحت بين فلسفة اللغة وفلسفة الأخلاق والقانون والأدب: "أعلن علماء من كلّية علوم النبات فى جامعة تل أبيب، فى الأيام الأخيرة، أنهم سجلوا بميكروفونات خاصة حسّاسة بالموجات فوق الصوتية صرخات الألم التى تصدرها النباتات عند قطعها أو عندما تفتقر ىلى الماء، فى غزة لا توجد ميكروفونات!"