728x90 شفرة ادسنس

  • اخر الاخبار

    السبت، 26 أبريل 2014

    عملية السلام والقضية الفلسطينة من النكبة إلى التصفية





    السفير د. عبدالله الأشعل 

    يجب ألا ينخدع القارئ بالفصول المتتالية لما يسمى بعملية السلام التى فصلنا فى شئنها كثيراً، وهى عملية تتم بالتنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة لتمكين المشروع الصهيونى من المنطقة وكل فلسطين ولذلك فإن تحرك هذه العملية مرتبط دائماً بالظروف التى تقدم فرصاً ذهبياً للمشروع أو الظروف التى يمكن أن تهدد المشروع. والحقيقة الثانية الاكيدة هى أنه ما كان المشروع وداعميه أن يتقدموا ألا بتنسيق مع رموز المنطقة من حكامها أو بسقطة بعض حكامها مثلما حدث مع عبدالناصر.

     أمامنا قرابة مائة عام من الأحداث فى فلسطين، بدأت عمليا بقرار التقسيم فى نوفمبر 1947 وقيام إسرائيل 1948 التى سميت حينذاك بالنكبة، ولكن لم يدرى كثيرون أن النكبة الكبرى هى تصفية القضية التى اختلف مضمونها منذ ظهورها على خريطة الأحداث.

    آخر المشاهد هو مشروع كيري الذى يفضى عمليا إلى اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية أى التوقيع على إخلاء فلسطين وتسليمها لإسرائيل على تفصيل قدمناه فى مناسبة أخرى. فى نفس الوقت، فإن استنجاد أبو مازن بالجامعة العربية يوم 9 أبريل 2014 ورد فعل الجامعة يسمح باستعراض تطور مواقف أطراف القضية، وهى الفلسطينيون، وإسرائيل بما تمثله من مصالح وتحالفات وخطط فى المنطقة وخارجها، ثم العرب كطرف أخير، والعلاقة بين هذه الأطراف الثلاثة. 

    معنى ذلك أننا لا نقدم حلا لإنقاذ فلسطين، ولكننا ننبه إلى طريقة ضياع وصعود المشروع الصهيونى الذى هزم الجسد العربى المترهل والذى تمكنت منه الحركة الصهيونية بمشروع المصالح المشتركة مع الزعامات العربية، ومصلحتها فى الاستمرار فى القهر والاذلال والحرمان للشعوب لإرهاقها وتستطيع عقولها فلا تدرك مخاطر المشروع وتقاومه،  مقابل مصلحة الحركة فى فتح الأبواب لها لاختراق هذه الأوطان فيكون التآكل فى الاطار العام وفى مكوناته فى المجتمعات العربية، ومن خلف هذه العملية الواضحة وكلاء المشروع ويمثلهم دائماً الدولة العظمى فى كل عصر، وهى واشنطن منذ الحرب العالمية الثانية.

    ولذلك عندما قام الشعب المصرى بحجمه الكبير بانفجار ضخم وهبة هائلة فى 25 يناير، كانت تلك رفضا للواقع المرير، وهو الاختراق الصهيونى وتبعاته، وترابط المصالح بين الحاكم، كنز إسرائيل الاستراتيجى، وبين متطلبات المشروع، وهو جوهر المشكلة فى مصر رغم أن تداعياتها قد تبدو لا رابط لها بها. والأكثر مرارة ، فانه لايبدو أن الشعوب تدرك هذه الحقيقة البسيطة الخطيرة .

    الطرف الأول هو الضحية الفلسطينى الذى أدرك منذ وقت مبكر مصيره، ولكنه علق الأمل على الوسط العربى، وتصور أنه جزء من جسد أعظم وأن هذا الجسد لن يسمح بغزو الفيروس الصهيونى له من منفذ فلسطين وأن هذا الجسد لن يسمح بغزو الفيروس الصهيونى له من منفذ فلسطين .  فرأى الطرف الفلسطينى بنفسه كيف تهاوت مصر القلعة التى احتمى بها الفلسطينيون طويلا، بدأ السقوط متدرجا ولكنه مستمر وثابت، وهذا محور أساسي فى المشروع الصهيونى. فعندما قامت إسرائيل وهزمت القوات العربية جميعاً، عادت القوة المصرية إلى مصر لكى تنقض على الملك الذى حملته مسئولية فشلها وحلت محله فى الحكم، حيث اعتقد عبدالناصر أن وضع مصر فى المكان الذى ينقذ فلسطين لن يتم إلا على يديه ولم يدرك أن إسرائيل ومعها واشنطن هما من يرسم خريطة الأحداث، فأرغمته على فتح جبهة الصراع معها بمذبحة غزة عام 1955، وتلك هى البداية التى لا تزال آثارها ماثلة حتى الآن، إلى أن استقرت مصر أخيراً ومن ورائها العالم العربى فى شبكة الأمان الأمريكية الإسرائيلية منذ عام 1979.

    الطرف الفلسطينى على مؤشر التدهور وصل إلى شرخ عميق فى عموده الفقرى وتعرية أعصابه، وصار يفاوض على تسوية لتصفية القضية وليس للحصول على مجرد حق البقاء، مادام الاستيطان هو الركيزة الاساسية للمشروع الصهيونى كسياسة ثابتة تنهى الوجود الفلسطينى، ولا يستطيع أحد أن يوقفها، بل صار المستعمرون المستوطنون قوة احتلال وإرهاب جديدة لما تبقى من التجمعات السكانية الفلسطينية. ولذلك فإن كل الاجراءات الأوروبية والوعود العربية بعرقلة هذا الاستيطان بشكل غير مباشر لن تجدى فتيلاً، وبالطبع فإن حصار غزة هو أحد الأدوات العربية – الصهيونية لإخضاع غزة للسلطة حتى تكون ضمن عملية التصفية – والا ما معنى السكوت العربى والغريب علي الحصار وأن مصر لا تدرك أن سقوط غزة هو أول حجر فى البنية الأرضية للأمن القومى المصرى، ولا عبرة بأى  تبرير لهذا العمل، خاصة فى ظل أوضاع سمحت لأصوات تعلو كنعيق البوم لكى تؤكد أن الإخوان  وحماس أخطر على مصر من إسرائيل، لأن إسرائيل يمكن الاتفاق معها، بينما يستحيل الاتفاق مع الاطراف الاخري.

    هكذا نجحت المؤامرة على العالم العربى،  الذي لم يتخل فقط عن فلسطين، ولكنه يتخذ من السياسات والمواقف بما يساعد إسرائيل ويحبط الفلسطينيين. 

    فالمشكلة ليست فى خواء الجعبة العربية من أوراق القوة لصالح الفلسطينيين، وإنما المشكلة فى شعور العرب بأن مواقفهم الشكلية بالمساندة تكفى ولا يملكون غيرها. فالأوطان العربية تواجه خطر التفتيت الاجتماعى والتدهور الاقتصادى وانعدام الرؤية الاستراتيجية، فانحدار العالم العربى من آمال الوحدة الشاملة إلى قبائل متصارعة فيصدق مخطط إسرائيل الذى وضح ونبه الجميع إليه منذ عام 1982 بشكل محدد، وبدا العرب وكأنهم مساقون إلى حتفهم زعماء عنهم. 

    والحق أن العرب لم يصروا على مجرد ترديد مصطلحات كانت منذ سنوات قليلة تتصدر الساحة العربية مثل مبادرة السلام العربية، ومثل أن القضية الفلسطينية هى قضية العرب الأولى، بل إن حال التيارات الإسلامية وهى تحارب بعضها بعضاً فى معركتها الأخيرة وضياع بوصلتها، قد اغفلت القدس فلم تعد استعادة القدس هى وجهتها.

    والحق أن الطرف الإسرائيلى هو الذى قاد كل هذه التفاعلات فى الطرفين العربى والفلسطينى، حتى صارت إسرائيل مصرة على إنهاء القضية بالاتفاق فى هذا الوضع المثالى فى الوسط العربى المتردى. أما أوراق القوة فى يد إسرائيل فهى أدوات الضغط المباشرة اقتصاديا وماليا ونفسيا وعسكريا. وقد أوصلت إسرائيل الطرفين الفلسطينى والعربى إلى نقطة مثالية تسمح لها بالضغط نحو التصفية، مع إيهامهم بأن ذلك كله يتم فى إطار عملية السلام، أى السلام الإسرائيلى.

    وقد بنت إسرائيل مخططها على خطط ووقائع فى طرفيها المقابلين ولكن كيف أمنت إسرائيل ردود أفعال الشعوب وكيف ضمنت أن القوات العسكرية والأمنية العربية تكبح لصالحها إلى الأبد. إذا كانت إسرائيل قد استأنست النظم العربية واعتمدت على قمع هذه النظم لشعوبها وفشل الموجه الأولى من ثورة هذه الشعوب بسبب إصرار هذه النظم على مخططها وعجز الشعوب عن إدراك أبعاد المخطط، فإننى أحذر من أن استمرار هذا الاحتباس والتماهى بل والتساهل فى ضياع فلسطين وبقية الأوطان العربية، سوف يؤدى إلى انفجار ثورات دموية تشبه الثورة الإيرانية أو إطار فوضوى لن تخسر هذه الشعوب فيها سوى قيودها ومرضها وفقرها وانسحاق كرامتها والمؤامرة عليها.

    إذا أرادت إسرائيل أن تطيل مدة بقائها فى المنطقة فلابد أن تتحلى بالذكاء فلا تبالغ فى الاعتماد على قهر حلفائها لشعوبهم، وأن تقدم شيئاً للفلسطينيين وأن تتخلى عن الفكرة الساذجة بأن اليهود يستردون أرض الأجداد، لأن جشع إسرائيل وجشع حلفائها سوف تواجهه أوضاع كتله بشرية – تزيد على 400 مليون عربى فى المنطقة تغلى وهى مهيأة للانفجار قد لا يدركه جيلنا.
     
    لقد أبلغت وفدا إسرائيليا خلال حوار فى جنوب إفريقيا عام 2006، بين العرب وإسرائيل، بأن إسرائيل قد تنجح فى الاستحواذ على رأس الحاكم العربى، ولكن جسد دولته سوف يتخلى عن هذه الرأس الفاسدة ليستنبت رأسا تليق بجسد طاهر، وإذا كانت المحاولات مستمرة لاستنبات رأس من نفس فصيل الرأس السابق، فإن الجسد سيلفظ هذه المحاولة ايضاً.

    لقد كان اليهود عبئاً على فلسطين والعرب وكان الحل إما إعادة اليهود إلى بلادهم، أو إنشاء دولة واحدة لكل من اليهود والفلسطينيين أى دولتان على أرض واحدة بعاصمة واحدة. أما إسرائيل، فإن مخططها منذ البداية هى أن الفلسطينيين عبء عليها، فكيف تتخلص منهم حتى تخلو لها الأرض وتزدهر إسرائيل الحديثة بعد التخلص من الفلسطينيين .ولم يدرك العرب ذلك إلا فى وقت متأخر بعد الانسحاب العربى أمام تقدم المشروع الصهيونى، بينما اكتفى بعض الحالمين العرب بالتبشير بأن إسرائيل إلى زوال سواء بفعل العرب او بغيره وعليهم فقط الانتظار، وهذه هى مبررات الاستسلام  العربى  عن مواجهة الواقع.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: عملية السلام والقضية الفلسطينة من النكبة إلى التصفية Rating: 5 Reviewed By: كفرالشيخ تو داى
    Scroll to Top