كتب: أشرف جمعه
القرآن هو الدستور الذي ارتضاه ربنا جل في علاه أن يكون منظما لحياة البشر في الدنيا وسبيلا لحياة مستقرة في جناته باذن الله ،وأن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن ليعلم الإنسان؛ كي يسيرون في دروب حياته بشكل آمن ورضا من الله عن سلوكه وأرسل بين ثنايا الآيات وبين السطور معاني تقود الإنسان إلى بر الأمان وأذكر مثالا لما جاء فى سورة الكهف حيث ذكر ربنا أربعة أنواع من الفتن التى من الممكن أن يتعرض لها الإنسان فمنها فتنة الدين والمثال المذكور في السورة عن قصة أصحاب الكهف وكذلك فتنة المال وجاء في السورة أيضا قصة صاحب الجنتين فتنة العلم والمعرفة وجاءت في قصة موسى (عليه السلام ) والخضر والنوع الأخير من الفتن التى ذكرتها السورة.
فتنة السلطه
وهو موضوع حديثي عن فتنة السلطة والجاه والمثال جاء بقصة ذي القرنين.
وهو عبد من عباد الله الصالحين أعطاه الله ملكا عظيما ودانت له البلاد وخضعت له العباد وحكم الأرض وكان ملكا على الدنيا كلها وطاف الأرض حتى بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها وكان هذا سبب تسميته بهذا الاسم يقول ربنا في كتابه الكريم ( ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا فاتبع سببا………….الآيات من 83 -97 من سورة الكهف ) وأعطى ربنا أسباب التمكين لهذا العبد الصالح وأعطاه من الأسباب والوسائل ما يجعله ممكنا في الأرض فلا يسود حاكم وتثبت دعائم ملكه ولا يزول إلا بأمر الله فيجب أن تتعلق القلوب بالله جل جلاله وكان ذو القرنين مما آتاه الله القوة وحسن التدبير وسعة المال والكثير من الجنود الأشداء وحسن السمعة والشهرة وكانت له شخصية قوية ومميزة وعقلية واعيه وكان أهلا لأن يكون حاكما قويا بهذا الحجم وهذه المنعة وبدأت المرحلة الاولى (حتى إذا بلغ مغرب الشمس )وكان هذا فى سبيل الله فى اتجاه ناحية الغرب حتى بلغ أقصى الأرض من ناحية الغرب ويقال أنها آخر أمريكا الجنوبية من ناحية الغرب .
عين حمئه
ويقول سبحانه (وجدها تغرب فى عين حمئة ) أى أنه رأى الشمس تغرب فى البحر وهذا ما يراه كل من وقف على ساحل أو شاطىء وقت الغروب وفى هذا المكان وجد أمة من الأمم ( وهؤلاء القوم لا يؤمنون بالله ) فأمره الله أن يدعوهم إلى عبادة الله وحده وتعليمهم أوامر الله ثم أخبره الله أن من يكذب منهم أو يعرض عن الدين إما أن يقتل أو تتخذ فيهم حسنا والمقصود هنا أن يأسرهم وفى الأسر يعلمهم ويصبرهم ويدعوهم وكان رد ذو القرنين كما ذكر القران ( وأما من ظلم فسوف نعذبه عذابا نكرا .
وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا) وهذا غاية في العدل والإنصاف والحكمة والتمكين ( ثم أتبع سببا ) يقول ابن كثير أن معنى أتبع سببا أي اتخذ طريقا من المغرب إلى المشرق.
مطلع الشمس
وهذه بداية المرحلة الثانية من رحلة ذو القرنين في قوله تعالى (حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ) أى أنه عند وصوله لهذه الأرض وجد الشمس تطلع على قوم لا يوجد بين أشعتها وبينهم ما يحول جبل أو شجر أو أي ساتر يحجب أشعة الشمس ( كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا )أى علمنا ما لديه من الخبرات والصلاحيات لهذه المكانة الرفيعة.
ويقول تعالى ( ثم أتبع سببا ) وهنا تبدا المرحلة الثالثة وهى مابين رحلته إلى المغرب ثم إلى المشرق فهذه بينهم يقول تعالى (حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ).
مكان يأجوج ومأجوج
والمقصود هنا بالسد ين جبلين عظيمين متقابلين وجد بينهم قوم منعزلين على أنفسهم ولا يعرفون لغة أى قوم غير لغتهم وهؤلاء القوم يعيشون فى هذا المكان وكان به ثغرة تخرج منه أمة يأجوج أمة ومأجوج وهم أقوام كثيرة العدد شديدة الخطورة ويخرجون على هؤلاء الناس ويفسدون الأرض ويهلكون الحرث والنسل كانوا يهاجمونهم بقوة وعنف وهم عاجزون عن صد هذه الهجمات والدفاع عن أنفسهم فتولوا لذي القرنين وقالوا ( قالوا ياذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ) وذلك لحمايتهم من شر يأجوج ومأجوج ورد عليهم ذو القرنين بكل تواضع وزهد ( ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما) أى أن كل ما أعطاني الله من أسباب الملك والتمكين والقوة أستخدمه ولست بحاجة إلى خراجكم ومالكم ولكنه طلب منهم أن يساعدوه في هذا العمل لأنه رأى فيهم الاتكالية والكسل فأراد أن يجعلهم أن يجتمعوا فى عمل كبير بهذا الحجم فقال لهم كما جاء بالقرآن (فأعينوني بقوة ) أى أن ذو القرنين سيتكفل بكل الجوانب ولا يريد منهم إلا الأيدي العاملة (قال آتوني زبر الحديد )أي اجمعوا لي قطع الحديد الضخمة فلما أجمعوا أمرهم بوضعها بين الجبلين الكبيرين ثم ( قال انفخوا )أي أشعلوا النيران تحت قطع الحديد حتى ينصهر ويقال إن كميات الحديد التى جمعوها كانت كثيره جدا ومن شدة النيران انصهرت وذابت ثم أمرهم ذو القرنين بإذابة النحاس وصهره وصبه على الحديد المذاب ليكون بذلك معدنا واحدا قويا منيعا و ساوى بين الصدفين أي الجبلين وبهذا يغلق على يأجوج ومأجوج الثغرة التي كانوا يخرجوا منها على الناس .
